ملخص
خلاف الحزبين الحاكمين في كردستان العراق تسبب في تأجيل الانتخابات البرلمانية الكردية لأكثر من عام، فهل تعيد الضغوط الأميركية - البريطانية ترتيب البيت الكردي؟
تحت ضغوط أميركية وبريطانية متواصلة قرر الحزبان الرئيسان في إقليم كردستان العراق العودة لطاولة الحوار من أجل حل الخلافات المزمنة على "الصيغة الآنية" لإدارة الحكم والعقبات التي تعترض إجراء الانتخابات البرلمانية، فيما تخيم هواجس من ألا يفضي الحوار إلى وضع حلول جذرية للصراع باستثناء إبرام "تفاهمات موقتة" نظراً إلى عمق الخلاف والشروط المطروحة.
فبعد تعثر الوساطة التي كان منسق البيت الأبيض لشؤون الشرق الأوسط وشمال أفريقيا بريت ماكغورك أجراها في مارس (آذار) الماضي، قادت مساعدة وزير الخارجية الأميركي باربارا ليف أخيراً مساعي حثيثة، بموازاة لقاءات منفصلة أجراها السفير البريطاني لدى العراق مارك برايس ريشاردسن مع القيادات في الحزبين "الديمقراطي" بزعامة مسعود بارزاني و"الاتحاد الوطني" بقيادة بافل طالباني، تمخضت عن عقد لقاء بين رئيس الحكومة عن "الديمقراطي" مسرور بارزاني مع نائبه عن "الاتحاد" قوباد طالباني الذي يقاطع منذ نحو ستة أشهر اجتماعات مجلس الوزراء، احتجاجاً على ما وصفه بـ"احتكار" الديمقراطي لإدارة الحكم.
ووصفت باربارا ليف اللقاء بين الطرفين بـ"العظيم"، مؤكدة قلق بلادها إزاء الخلاف داخل البيت الكردي الذي "سيضر بأمن المنطقة"، كما سارعت القنصل البريطاني لدى الإقليم روزي كيف للإعراب عن ترحيبها بالخطوة.
تفاؤل مشوب بالحذر
ومع وقف الحرب الإعلامية المتواصلة منذ أكثر من عام، صدرت مواقف للتهدئة من القيادات السياسية، وصرح القيادي البارز في "الاتحاد" سعدي بيره بأن الأزمة بين الحزبين ستشهد انفراجة في الأيام القليلة المقبلة، "هناك مؤشرات إيجابية" على أن يستأنف قوباد طالباني وفريق حزبه الوزاري حضور اجتماعات الحكومة الأحد المقبل.
وتسبب الخلاف في تأجيل الانتخابات البرلمانية الكردية التي كانت مقررة في أكتوبر (تشرين الأول) الماضي إلى نوفمبر (تشرين الثاني) المقبل، في وقت ما زالت تسود المخاوف من تأجيلها مجدداً، إذ تتطلب مدة ستة أشهر على الأقل لإجراء التحضيرات.
شروط مسبقة
ويطرح حزب طالباني جملة من الشروط وسط تساؤلات حول مدى إمكان أن يتماهى فريق بارزاني مع هذه الشروط في ظل الرغبة الأميركية الملحة لتوحيد البيت الكردي، إذ لا تزال واشنطن تواجه صعوبات على رغم دعمها المالي واللوجستي لتحقيق النتائج المرجوة في عملية توحيد القوات العسكرية المنقسمة بين الحزبين في إطار وزارة البيشمركة.
وتنقسم مطالب الاتحاد إلى صيغتين، الأولى تتمثل في ورقة تفاوضية حول الإيرادات، والثانية تلك المرتبطة بالإشكالات القائمة بشأن الانتخابات، فالورقة المالية تتضمن إدارة مجمل العائدات بشكل مركزي وتوحيدها في إطار شراكة متوازنة إلى جانب النفقات وسد العجز، بعد إلغاء الآلية المعتمدة حالياً في تحمل النفقات من الإيرادات الداخلية، وهي 43 في المئة للسليمانية الخاضعة لنفوذ الاتحاد، و57 في المئة لمحافظتي دهوك وأربيل الخاضعتين للديمقراطي، إذ يزعم الاتحاد أنه يعاني عجزاً في الإيرادات لتأمين المرتبات، بينما يتهمه الديمقراطي بالاستحواذ على الأموال.
ومن المؤمل أن تطرح الورقة خلال اجتماع مجلس الوزراء المقبل، وفي حال رفض هذا المقترح يتم اقتراح تشكيل لجنة وزارية عليا تتولى مهمة المتابعة من رئيس الحكومة ونائبه إلى جانب وزيري المالية والتخطيط بعضوية رئيس ديوان وسكرتير مجلس الوزراء.
تعديلات النظام الانتخابي
أما المطالب المتعلقة بالانتخابات فإن "الاتحاد" يطالب بتعديل قانونها واعتماد نظام الدوائر المتعددة، وزيادة مقاعد الأقليات وفق نظام الكوتا بحسب النسبة السكانية، وأن يتم تمثيلها بشكل حقيقي.
هنا يتهم الاتحاد نظيره الديمقراطي بالاستحواذ على جل مقاعد الكوتا البالغة 11 مقعداً لصالحه "بأساليب شتى"، هذا فضلاً عن اعتماد سجل الناخبين المعتمد لدى مفوضية الانتخابات الاتحادية استناداً إلى تعداد النسب السكانية المعتمدة لدى وزارة التخطيط الاتحادية.
بوادر حسن نية
ولا يزال من المبكر الحديث عن مدى استجابة الديمقراطي لقائمة المطالب، وفق ما يؤكده عضو وفد الحزب التفاوضي في ملف الانتخابات عبدالسلام برواري، الذي أعرب عن تفاؤله "في إمكان التفاهم حول الأزمة التي لم تكن مبررة، لكون الاتحاد عضواً رئيساً في الائتلاف الحكومي".
واستدرك "عموماً هذه خطوة جيدة وستليها خطوات أخرى، ونحن ما زلنا في مرحلة كسر الحاجز النفسي، بخاصة أن هناك ضغوطاً داخلية وخارجية كبيرة على كل الأطراف، وقد بادر رئيس الحزب مسعود بارزاني بالاتصال بالسيد بافل طالباني ودعاه إلى حضور مراسيم افتتاح المتحف الوطني لزعيم الثورة الكردية الملا مصطفى بارزاني، كما صدرت تلميحات من القيادات بإمكان التوصل إلى اتفاق".
وتأتي ذروة الخلاف العاصف بين الحزبين في وقت يواجه الإقليم انعطافة إثر فشل طموحاته في تحقيق استقلال اقتصادي بمعزل عن بغداد التي تمكنت من فرض سطوتها على التحكم بصادرات الإقليم النفطية عبر قرار صدر عن هيئة التحكيم التابعة لغرفة التجارة الدولية في باريس، مما وضع الحزبين أمام خيارين، إما طي صفحة الخلاف والذهاب باتفاق وموقف مشترك لتأمين مصالح الإقليم مع العاصمة العراقية، أو اتباع مسارين منفصلين لضمان الإيرادات وفق منطقة نفوذ كل طرف، وهذا من شأنه أن يضعف ثقل ونفوذ الكيان الكردي، وفق ما يقر به الطرفان.
لا حلول من دون معايير
ويعتقد برواري أن "شروط الاتحاد لا تزال تحت تأثير الأجواء المتوترة السابقة، لأنه يجب اعتماد معايير علمية ومنطقية لتوزيع الإيرادات، علما أن الاتحاد كان السباق في المطالبة باعتماد اللامركزية، بينما يطرح اليوم مطلباً معاكساً تماماً، لكن مع ذلك يجب انتظار طرح ورقتهم رسمياً داخل اجتماع مجلس الوزراء المقبل".
وإزاء الشروط المتعلقة بالانتخابات أكد أن "عقد اجتماع لممثلي مكاتب الأحزاب الانتخابية لن يخرج بأية نتيجة ما لم يجر اتفاق مسبق على مستوى القيادة السياسية، ونأمل انعقاد اجتماع على مستوى الصف الأول خلال الأيام القليلة المقبلة".
اقرأ المزيد
يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)
وتذهب بعض الآراء في الوسط السياسي الكردي إلى أن اتساع الفجوة كان من شأنه أن يسهم في فقدان الإقليم لما تبقى له من ثقل سياسي بعد أن كان يوصف في مراحل ما بعد سقوط نظام صدام حسين عام 2003 "ببيضة القبان" في حسم تشكيل الحكومات الاتحادية المتعاقبة، وقد يكون لمناورة الاتحاد وتهديده بإبرام تفاهم من طرف واحد مع بغداد لحل أزمته المالية إضافة إلى الضغط الأميركي أثر في فرض أمر واقع على الديمقراطي للتحاور والاستجابة لبعض المطالب.
وفي هذا الإطار يقر عضو وفد الحزب التفاوضي في ملف الانتخابات بأن "الإقليم منذ عام 1992 يدار بالشراكة بين الحزبين بغض النظر عن المعيار الانتخابي، هذا الواقع سيستمر بحكم الثقل التاريخي والعسكري والاقتصادي والجماهيري المنقسم مناطقياً، وقد تجلى هذا المبدأ في الانتخابات السابقة على رغم أن الديمقراطي كان حصد ضعف ما حصل عليه الاتحاد من مقاعد، لذا فإنه مهما كانت نتائج الانتخابات المقبلة فإننا سنكون أمام اتفاق يفرضه هذا الواقع".
اتفاق هش
في المقابل تتباين آراء المحللين مع المواقف السياسية المعلنة في إمكان تحقيق اتفاق موسع حول مجمل القضايا الخلافية، إذ قدم الباحث السياسي سرتيب جوهر رؤية شبه متشائمة استناداً إلى أن "اللقاء لم يعقد عن قناعة ذاتية بقدر ما كان مدفوعاً تحت تأثير وضغط خارجي".
وقال "لم يكن لدى أي من رئيس الحكومة ونائبه مشروع من شأنه أن يطوي الخلاف بين الحزبين، إذ لم يقدم السيد مسرور أية إجابة حول مطالب الاتحاد، وهذا معناه أن الحرب الإعلامية ومقاطعة اجتماعات مجلس الوزراء لم تؤد إلى نتيجة ما".
ونوه إلى أن "ما سيتحقق لن يتجاوز مسألة إيقاف التشنج الإعلامي وعودة وزراء الاتحاد إلى اجتماعات الحكومة، لأن الاشكالات ما زالت قائمة بين الحزبين من دون تغيير أو حتى مشروع واضح المعالم للاتفاق بشأنه، وفي أفضل حال ربما قد يتفقان على إجراء الانتخابات، وهذا الأمر لن يكون سهلاً بحكم تعدد العقبات التي ستتطلب وقتاً لتذليلها".
غياب الثقة
من جهته تساءل المتخصص في الشؤون الكردية إبراهيم علي إلى أي مدى "يمكن أن يلتزم الاتحاد على أرض الواقع بتسليم كامل إيرادات السليمانية المحلية إلى اللجنة المقترح تشكيلها في مجلس الوزراء؟ وكيف سيتم حل المعضلة المتعلقة بالتهريب الحاصل في المنافذ الحدودية، حيث تدخل حمولات من دون إيصالات رسمية". وأردف "أما في ما يتعلق بالحزب الديمقراطي فهل سيكون مستعداً للكشف عن إيرادات معبر إبراهيم الخليل مع تركيا إلى اللجنة المقترحة في ظل غياب الثقة بالطرف الآخر، ونعلم أن الصراع على إيرادات هذا المعبر كانت السبب في اندلاع حرب أهلية بين الطرفين منتصف تسعينيات القرن الماضي، ولا أعتقد أن السيد مسرور سيوافق على إعادة إطلاق مرتبات ومخصصات تلك القوات الأمنية في السليمانية والمتهمة في ملف اغتيال الضابط في مكافحة الإرهاب المنشق عن الاتحاد هاوكار جاف في أربيل، إلى حين حسم ملف القضية والتحقيقات الجارية".
وأكد أن الملف الأمني "يشكل خطاً أحمر لدى رئيس الحكومة، بينما تحمل مسألة الإيرادات أهمية قصوى لدى الاتحاد، وإذا ما حصل الاتفاق فإنه سيكون مكسباً للسيد مسرور على رغم أنه لن يكون من دون ثمن، لأن الاتحاد على مدى سبعة أشهر كان يروج لسقوط حكومته، وأجرى صولات وجولات في بغداد وطهران لفصل حصة السليمانية عن حصة الإقليم في الموازنة الاتحادية من دون تحقيق أية نتيجة، كما ألقى تهماً ضد رئيس الحكومة بوصفه دكتاتوراً وعنيداً وعديم الخبرة، إذاً لماذا يمكن أن ينجح الاتفاق وتحل الإشكالات؟".